الاثنين، 14 سبتمبر 2020

(جدلية تأثير أفعال ألإنسان وسلوكه السيئ ..على قوانين الطبيعة).

 


تناول هنا هذه الجدلية من ورقة العمل والتي عرضتها في ملتقى النصرالثقافي وقسمنا البحث فيها على محاور ثمانية وهي كالتالي:

المحور الأول: اثبات صحة الدعوى بناءا على مصادر المعرفة الإسلامية ..وهذه الجدلية من ضمن نقاط الإختلاف بين مصادر المعرفة الدينية والمدرسة الحسية التي تعتبر التجربة والحس هي المصدر الوحيد للمعارف والعلوم.

ولغرض الإستدلال على هذه الدعوى نسلط الضوء على ما تناوله القران الكريم من الآيات الشريفة ..فقد تكرر التصريح بكون الذنوب سبباً للنوائب والبلايا في سور مُتعددة من القرآن وفي بعضها اشارة الى ذلك .ويمكن تقسيم الآيات المُتعرضة لذلك الى قسمين :

القسم الأول :الآيات التي تحدثت بنحو كلي وهي على اصناف :

الأول: ما تحدثت عن إهلاك الأقوام الذين كفروا وأعرضوا عن الأنبياء ودعواتهم ومنها قوله تعالى (وتلك القرى أهلكناهم لما ضلموا وجعلنا لملهكهم موعداً) الكهف 59.وكذلك الآيات 21_22من سورة غافر.والآية 11 من آل عمران .

الثاني:ما نص على أنه لولا رحمة الله تعالى بعباده لأفنى بذنوبهم السماوات والأرض أو اهلك جميع الدواب .زقال تعالى ( لو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ماترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم الى اجل مسمى).فاطر45.وكذلك الآية 61من سورة النحل .والآية 41 من سورة فاطر.

الثالث:ما نص على أن كل مصيبة حصلت وتحصل فإنها بسبب الذنوب .قال تعالى (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير).الشورى الآية 30.وايضا الآية 41 من سورة الروم.والآية 48 من سورة الشورى .والآية 79 من سورة النساء.

القسم الثاني :ما تحدثت فيه الآيات عن موارد وحالات خاصة كما في أُمة خاصة أو شخص مُعين وهي على صنفين:

الأول: ما تحدثت عن إهلاك أمة معينة أو اصابتها بنائبة مُعينة .قالى تعالى( فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية وأما عاد فاهلكوا بريح صرصرعاتية ).الحاقة الآية 5-6.وكذلك الآية 37 من سورة الفرقان .والآية 112 من سورة النحل.الآية 17-20 من سورة القلم..وايضا الآية 23_24من سورة القلم.

الثاني :ما تحدث عنه الآيات الشريفة عن إهلاك شخص خاص بذنب معين أو إصابته بنائبة غير الإهلاك ..ومثال ذلك الآيات التي تحدثت عن قارون في سورة القصص الآية 76_78.

ومثال ما تحدثت عنه الآيات الشريفة عن حصول ما دون الإهلاك لشخص في سورة الكهف الآية 32_36,42_43 .

نصل الى نتيجة مُؤدها:أن دعوى تأثير الذنوب والتي تؤدي الى التأثير في قانون الطبيعة وتكن سبب للنوائب والبلايا هي ثابتة في القرآن الكريم والذي يُعتبر المصدر الأساسي للمعارف الإسلامية.

يبقى السؤال: هل البلايا والنوائب والكوارث الطبيعة والتي ترتبة على الأفعال القبيحة والمُخالفات الشرعية تحصل للأُمم الاحقة..أم هنالك عقوبات خُصت به أُمة دون الأخرى فتكون بعض العقوبات على نحو تاريخية النص ؟.

وكيف يمكن اثبات المُماثلة في الإستحقاق بين السابق والاحق؟

المحور والجدلية الثانية..

تناولنا في المحور الأول الأدلة القرآنية على صحة دعوى تأثير افعال الإنسان القبيحة والسيئة على قوانين الطبيعة ..تنشأ جدلية على ضوء هذه الأدلة مفادها:نُسلم بما تناوله القرآن الكريم من قصص ذُكر فيها عقوبات للأقوام السابقة؛ نتيجة بعض المُخالفات والذنوب..ولكن ماهو الدليل على شمول الأقوام والأُمم الاحقه لهم بالإستحقاق للعقوبة لو احدثوا ذنبا او خطيئة؟.

وفي معرض الجواب نقول:

اولاً:هذه الإشكالية لا ترد على القسم الأول من الآيات القرانية والتي اثبتنا من خلالها في المحور الأول صحة نسبة المفهوم للشريعة الإسلامية ؛ حيث كانت الآيات من القران الكريم قد تناولت العقوبة على نحو المُخالفة الكلية.

ثانيا:نعم يمكن ان ترد هذه الإشكالية والجدلية على القسم الثاني من الآيات الكريمة ؛بسبب كونها تناولت موارد وحالات خاصة فيُقتصرعلى موردها.وتكون هنالك اشكالية لإثبات التوسعة والتعميم للاحق من الأُمم والأقوام الذين يأتون من بعدهم.

هذه الإشكالية والجدلية تندفع بقاعدة مفادها: (ان المورد لا يُخصص الوارد)..ولكن لابد من الغاء الخصوصية وكونها (الآيات) عامة.. وهذا متوقف على مرتبة سابقة أن القران الكريم وما تناوله من الآيات في هذا المحور والموضوع على نحوالإستيعاب والشمول.. ويتم ذلك من خلال نقطتين اساسيتين:

الأولى:هذه الأحداث التي عرضها القران الكريم هي سنن كونية حاكمة على مسيرة الإنسان.ونحن هنا في هذه ورقة العمل والبحث نأخذه كاصل موضوع ..قد حُقق في محله..وانها (الآيات الكريمة) ما هي إلا سُنن تمتاز بالإطراد والشمولية .ولغرض التوسعة في معنى ومفهوم السنن التاريخية مراجعة ماكتبه السيد الشهيد في كتابه القيم (المدرسة القرانية) تحت هذا العنوان ص43-102.وقد تناولنا هذا البحث في ورقة عمل خاصة حملت عنوان (فلسفة التاريخ برؤية اسلامية..السيد الشهيد باقر الصدر أنموذجا).

الثانية: القصة في القران الكريم ..ما هو هدفها.. وهل هي على شاكلة القصص والروايات الأدبية من اظهار الجانب التصويري والفني واعمال المُخيلة فيها فقط..أو انها على شاكلة ونمط التحدث والسرد عن اخبار الأمم السابقة ومعرفة حياتهم واساليبها..من دون أن تكون لها مدخلية وتأثير على الحياة التي يعيشها الأنسان الحالي والمُعاصر..وكما يفعل المؤرخون في تدوين الوقائع والبحث التاريخي ؟.

أو ان للقصة في القران الكريم هدف وغاية.. وهي حوادث واقعة فعلا وليست على نحو الرمزية؟.

وفي هذه الورقة والمحاضرة ايضا تبنينا كأصل موضوع حُقق في محله..من كون القصة في القرآن ما هي إلا وقائع تاريخية حاصلة فعلا.. لها هدف وغاية ..وهي من جملة الأساليب التي اتبعها الكتاب الكريم في تحقيق اهدافه واغراضه ؛ حتى يتم من خلالها ضبط حركة الإنسان بالإعتبار والتفكروالتعقل..وقد يُقال أنها (القصة ) من أهم هذه الأساليب واكثرها تأثيرا.ومن اراد التوسعة والتحقيق فاليراجع ما كُتب حول القصة في القرآن الكريم.

اذن نصل الى نتيجة مفادها: أن الآيات الكريمة مورد البحث ليست مُختصة بطائفة دون الأخرى ..بل هي شاملة وفي مقام التعميم وترتب النتيجة عند حصول المؤثر.

في المحور الثالث سنتعرف على طبيعة المؤثر او ما يُسمى العلة التي تحقق المعلول والنتيجة ..فهذه النتائج اين تقع في هذه الدائرة من العلل..وهل العلل على نسق واحد؟

 المحوروالجدلية الثالثة ..

في هذا المحور سنتعرض على نحو الإختصار لبيان طبيعة آلية التأثير في الأفعال ..او ما يسمى بنظام العلة لمدخليتها في كيفية التاثير لما تناولناه من مفهوم تاثير افعال الإنسان القبيحة والسيئة على القوانين الطبيعة..فهل هذه العلل على نسق واحد في التأثير..وهذا المحور والجدلية من مختصات علم الفلسفة؟.

وفي مقام الجواب نقول:تنقسم العلة باعتبارات متعددة الى عدة اقسام..

الأولى:العلة الذاتية ..وهي التي يتوقف وجود المعلول عليها بالذات دائما..والعلة الذاتية تنقسم بلحاظ الى العلة التامة:والتي يتوقف حصول المعلول بحدوثها دون التوقف على شيء آخر.والعلة الناقصة (وتسمى بالإقتضاء):وهذه العلة لا يكفي وجودها لتحقق ووجود المعلول إلا بعد وجود الشرائط وانتفاء المانع ..واغلب العلل في الطبيعة في هذا العالم من هذا القبيل.

وبلحاظ آخر تنقسم العلة الذاتية الى علة بعيدة ..وعلة قريبة.فأسباب الظواهر الطبيعية التي اكتشفها العلم هي في الواقع اسباب قريبة لها..وبما أنها حادثة فلها اسباب بعيدة تكمن ورائها.فمعرفة السبب القريب لا ينفي وجود السبب البعيد.  

الثانية:العلة الإتفاقية ..والتي تسمى في العرف العام بالصدفة..وهي في قُبال العلة الذاتية التي تقتضي بذاتها تحقق المعلول.وهذه العلة الإتفاقية هي في الواقع علل مركبة من اجزاء يندر اجتماعها معاً ..ولذلك تكون معلولاتها نادرة ايضاً بحسب حساب الإحتمالات.

الثالثة :علة مُعدة..وهي التي تُقرب صدور المعلول من علته كالأدلة والبراهين  ..وعملية الزراعة وبذر البذور في الأرض..فالفلاح ليس من اوجد النبتة والشجرة ..إنما ما قام به هو تهيئة ظروف الإيجاد لها من عللها الفاعلة ..ولذلك يقول الباري تعالى في مُحكم كتابه الكريم: أفرأيتم ما تحرثون اانتم تزرعونه أم نحن الزارعون). سورة الواقعة الآية 63-64.

نصل إلى نتيجة في هذا المحوروالجدلية مؤداها:أن التأثيرفي نظام الطبيعة وقوانينها يكون في العلة الذاتية الناقصة او ما يسمى ب(الإقتضاء)..وثبوت السبب القريب من العلة..لاينفي السبب البعيد منها (العلة).

  المحور الرابع..

نتناول في هذا المحور إشكالية وجدلية أن الآثار التكوينة للأفعال السيئة  -وبما تقدم من ذكره انها مرتبطة بنظام العلل والمعلولات..فكيف يمكن أن تتخلف النتجة عن علتها والقرآن الكريم قد صرح بهذه الملازمة؟!.

الجواب : ندفع هذه الإشكالية والجدلية كالتالي:

أولاً:في البداية لابد من تأسيس  أصل وقاعدة في الخطابات الشرعية والتي أخبرت عن تحقق أشياء بناءا على كونها بنحو العلية.وهذه القاعدة هي:

أن مقتضى الأصل الأولي  في خطابات الشرعية من القرآن الكريم والأحاديث الشريفة والتي من ضمنها اخبارات الأئمة (عليهم السلام)على نحو العلية التامة..بمعنى أنه بمجرد تحقق العلة والسبب يتحقق المعلول والنتيجة..ولكن نرفع اليد عن هذا الأصل والقاعدة لو لاحظنا واطلعنا على الواقع الخارجي فنجد عدم التحقق وتخلف النتيجة..فنعلم أن هذه الإخبارات على نحو العلة الناقصة(المقتضي والمانع).ورفع اليد عن الأصل الأولي واستبداله بالمرحلة الثانية من نظام العلل الذاتية  له قواعده وشرائطه..لا مجال لتناولها هنا مراعاة للإختصار.

إذن هذه الإشكالية والجدلية من تأخر المعلول في الحصول مع وجود علته تم تفكيكها معرفيا بهذه القاعدة.

ثانيا:صرح القرآن الكريم وفي مواضع من آياته بتأخير المسبب عن سببه وعلته ومن جملتها..قال تعالى (ولو يؤاخذ الله الناس بما...ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى)فاطر ٤٥.

وقال عز وجل (ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ماترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى)النمل ٦١.

وعلى ماتقدم من الرد..فهذه الإشكالية في هذا المحور لاتصمد أمام الحل العلمي والموضوعي.

سنتناول جدلية واشكالية أخرى أمام مفهوم وموضوع ترتب العقوبة على الأفعال القبيحة والتي تصدر من الإنسان..هذه الإشكالية مفادها :هل يمكن اجتماع أكثر من علة على معلول واحد؟.

وإذا ثبتت العلة القريبة وهي النظريات الفيزيائية والبيولوجية.. فهل هنالك ملازمة من نفي العلة البعيدة كالأسباب التكوينية للأفعال ومؤثريتها على قوانين الطبيعة؟

(جدلية تأثير أفعال الإنسان وسلوكه القبيح..على قوانين الطبيعة).

المحور الخامس..

بعد ان تناولنا في المحورالرابع دفع اشكالية وجدلية قد تتخلف النتيجة والمعلول عن علته في ترتب الآثار التكوينية حين اقتراف الذنب والسيئة..وكان الرد بجوابين وكما تقدم.

في هذا المحورسنُجيب على سؤالين:

الأول: هل يمكن اجتماع علتين على معلول واحد؟.

الثاني:في حال ثبوت العلة القريبة ألا وهي النظريات الفيزيائية والبيولوجية هل يستلزم ذلك نفي العلة البيعدة..وهي موضوع ورقة عملنا (تأثير أفعال الإنسان وسلوكه القبيح على قوانين الطبيعة)؟.

الجواب: في هذا المحور والإجابة عليه تعتمد على تنقيح مسالة في الفلسفة للإجابة على السؤال الأول,,واما السؤال الثاني تُساهم نظرية المعرفة في الرد عليه..هل أن مصادر المعرفة تختص بالعلوم التجريبية والحسية فقط..أو هنالك مصدر آخر للمعرفة والعلم؟.

 وسنأخذهما كاصل موضوع من دون الإطالة فيهما والشرح. ومن احب فليراجع المسالة في مصادرها.

اما بخصوص الإجابة على السؤال الأول:فهو استحالة اجتماع علتين على معلول واحد ؛ والسبب أن وجود المعلول والنتيجة متفرع على حصول علته .فكيف توجد العلة  ولا يتحقق معلولها؟!.نعم امكان اجتماع علتين على نحو كل منهما يُشكل جزء علة مع الآخر فيؤثران في إيجاد المعلول.

واما الإجابة على السؤال الثاني: فمما لا شكل فيه ان الحس والتجربة هي مصدر من مصادر المعرفة ضمن مساحة خاصة ومُعينة..وليست التجربة هي المعيار المعرفي الوحيد في قبول ورفض الأفكار والنظريات..أن العلوم التجريبية من الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا إنما دائرة ومجال بحثها عن الأسباب القربية للظواهر الطبيعة ..بمعنى أنها معنية بالجواب عن (كيف هو؟)..واما إدخالها في دائرة حقل معرفي من خارج مساحة عملها سواء كان اثباتا او نفيا ..ماهو إلا استعمال علم وحقل في غير موضعه وقالبه الذي توزن به الأشياء..فيقينا ستكون النتائج غير صحيحة.

وهنالك اجابة عن(لماذا هو؟). هذه الإجابة ليست من مُختصات العلوم والمعارف التجريبية ..بل هي من شأن الدين والفلسفة أن تُجيب عن الأسباب البيعدة للمعلولات والنتائج المُترتبة عن عللها..وعن حقائق الأشياء في نفسها ..وهذه قضاياغير خاضعة للبحث العلمي التجريبي القائم على المُشاهدة الحسية .

وفي ختمام هذا المحور نصل الى نتيجة مفادها :إمكان اجتماع علتين تشكل كل منهما جزء علة في اثبات المعلول والنتيجة .وأن العلة القريبة التي تثبتها التجربة بالإجابة عن سؤال(كيف هو؟) لا تنفي العلة البعيدة والتي لها مصادر معرفية آخرى تُجيب عن تساؤل (لماذا هو؟)وهي من مختصات الدين والفلسفة.

المحور السادس سيكون مُخصص لرد على اشكالية وجدلية:إذا كانت الآخرة والمعاد هي دائر الإستحقاق والجزاء ..ألا يلزم من ذلك التنافي حين نقول بأن هنالك عقوبات مُترتبة على الأعمال والأفعال السيئة والتي تصدر من الإنسان في دار الدنيا؟!.

هذا ما سنتعرف عليه لاحقا إن شاء الله تعالى.

(جدلية تأثير أفعال الإنسان وسلوكه القبيح..على قوانين الطبيعة).

المحور السادس:اذا كانت الآخرة والمعاد هي دار الجزاء والإستحقاق لأفعال الإنسان..ألا يستلزم هذا تنافي من ان الذنوب والأفعال القبيحة التي تصدر منه لها مدخلية في بعض العقوبات؟!.

الجواب على هذه الإشكالية والجدلية : ما يقتضية العدل الإلهي ليس اكثر من اتمام الحجة على الناس ..واتمام الحجة يحصل بإرسال الرسل قال تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا). الأسراء 15.

لكن هل يُمثل العدل الإلهي المحور والإطار الوحيد في التعامل والتعاطي مع ابناء النوع البشر؟.

كلا..فالطف هو محور واطارثاني في التعامل مع ابناء النوعي الإنساني؛ فمقتضى لطف الله تعالى بعباده يقتضي أن يُعمل كل ما من شأنه أن يُقرب الناس من الطاعة ويُبعدهم عن المعصية .قال تعالى: (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن اقرب اليه من حبل الوريد) ق16.

فعلمه تعالى بنوازع الإنسان من أن تأخير ظهور آثار الأعمال حتى مع الحتمية منها في الترتب غيركافٍ لأكثر الناس..ومن هنا قُدمت بعض آثار الذنوب في الدنيا ..وإلا فإن العدل الإلهي لا يقتضي أكثر من أن يكون للأعمال السيئة جزاء في الآخرة وتُعلم به الناس ولو اجمالاً..لكن ذلك سيؤدي الى أن دائرة الإستقامة ستكون ضعيفة جداً..فاقتضت الضروة الى اعمال المحور والإطار الثاني في التعامل والذي اشرنا اليه فيما سبق (من أن لطف الله تعالى يقتضي ابعادهم عن المعصية). فمن لطفه تعالى بأن تُسن بعض العقوبات في دار الدنيا ؛لكبح شهوة الإنسان وتقنينها وعدم الإنفلات من دائرة الإستخلاف والغرض في هذه الدنيا..ونذكر على سبيل المثال بعض القوانين الجزائية الرادعة وهي كالتالي:

1-القصاص.2-الحدود والتعزيرات.3-الإستفادة من الضاغط الإجتماعي من خلال تشريع واجب غاية في الأهمية الا وهو النهي عن المنكر والأمر بالمعروف.4-فرض بعض القيود على مساحة التحرك كعدم قبول الشهادة في موارد خاصة الا بعدد معين  5-الآثار التكوينية للأعمال التي تصدر من الإنسان.

ومن دواعي الأسباب في التقديم لهذه النقاط وجعلها في دار الدنيا هو: أن هنالك غريزة في داخل الإنسان إلا وهي حُب العاجلة .قال تعالى في محكم كتابه الكريم (كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة )القيامة 20-21.وقوله تعالى (خُلق اإنسان من عَجل)الأنبياء37.

لذلك نشاهد ان الأنسان يولي اهتمام بالعقوبات الرادعة الفورية ويرجحها في مقام التوقف وعدم العمل على العقوبات المؤجلة وبعيدة الأمد.

وفي خاتمة هذا المحورالسادس نصل الى نتيجة مؤدها: أن الإشكال المتقدم حول دواعي هذه العقوبات في دار الدنيا لا ينسجم ويناقض ما عليه دار الآخرة والمعاد..غير تام بل الدليل الموضوعي والعمل العقلائي  ثابت على خلافه.

في المحورالقادم سنتناول اشكالية التشابه في الأفعال القبيحة والسيئة بين الأفراد او الأمم مع تخلف بعض العقوبات من الترتب ..بل وفرة الخير وجمال الطبيعة ..فكيف يمكن ذلك؟.

هذا ما سنتعرف عليه في المحور السابع والأخير إن شاء الله تعالى. 

 (جدلية تأثير أفعال الإنسان وسلوكه القبيح..على قوانين الطبيعة).

المحور السابع.. في هذا المحور سنختم اخر الإشكالات التي تعرضنا لها في ورقة العمل التي طرحناها في ملتقى النصر الثقافي

بمقتضى ما تقدم من دخالة افعال الإنسان السيئة في قوانين الطبيعة والتأثير فيها..ولكن ما نراه في الواقع الخارجي لبعض الأفراد أو الأمم هو تخلف هذا القانون عما ورد ذكره من المؤثرية ..بل نرى عكس ذلك من الوفرة في الخيرات أو جمال الطبيعة ..افلا يُعد هذا نقض  على هذه السُنة الكونية ؟.

والجواب يكون على انحاء مُتعددة منها:

اولاً:أن العقوبات التي تترتب على افعال الإنسان على نحوين ..منها ما يكون الذنب والفعل المُرتكب مدعاة الى الإستئصال التام وموت الأمة باكملها ..ومنها ما لايشمل كل الناس بل على فئة دون اخرى..ومما تم رفعه من العقوبات هو العذاب السماوي المُستعقب للإستئصال الشامل للأمة على نهج عذاب سائر الأمم ..قال تعالى (وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم وما كان الله يعذبهم وهم يستغفرون)الأنفال 33.

فما تم رفعه من هذا الأثر التكويني من بعد بعث خاتم الرسل النبي محمد (صل الله عليه واله وسلم)..هوعقوبة الإستئصال.

ثانياً:تقدم في احد المحاور التميز والتفرقة بين العلل وقلنا هناك.. أن هذا القانون والسُنة الكونية هي من مراتب العلة الناقصة ( المقتضي والمانع) لا من مراتب العلة التامة.. فالمقتضي وهو حصول الأثر من العقوبة متوقف على عدم وجود ..والمانع المتصورهنا في تأخير العقوبة مع ارتكاب الذنب والفعل السيء هو: فلسفة الإستدراج..قال تعالى (ولا يحسبن الذين كفروا إنما نُملي عليهم خيرلأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين) ال عمران 178.

وقال عز اسمه ( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا ليهم ابواب كل شيء فإذا فرحوا بما أتوا اخذناهم بغتة فإذاهم مُبلسون) الأنعام 44.

ثالثاً:وربما يكون المانع من النتيجة المُترتبة على الفعل القبيح والسيء وتأخر العقوبة في الإستحقاق أو رفعها هو: كون المُرتكب للافعال السيئة والتي ينبغي أن تترتب عليها آثر فعله وعمله..إمتلاكه حصيلة من الأعمال الحسنة في حياته فيُجازيهم الله تعالى في الدنيا ..قال تعالى في محكم كتابه العزيز( إن الحسنات يذهبن السيئات)هود114.

رابعا: نُسلم بأن بعض من يفعل ويعمل الأعمال القبيحة والسيئة تحصل له حالة من الرخاء وزيادة في الرزق ..وهذا لا يدل على عدم مؤثرية اعماله في الإستحقاق ..بل قد تكون هذه من ضمن العقوبات وأن اختلفت الكيفية والطريقة ؛فسعة الرزق لا توجد راحة البال والإستقرار النفسي دائما..حيث قال الله تعالى ( فلا تعجبك اموالهم ولا اولادهم إنما يريد الله أن يُعذبهم بها في الدنيا وتزهق انفسهم وهم كافرون) التوبة 55.

وبهذا نختم ما تناولها من المعوقات والموانع والإشكالات التي تقف امام هذا القانون والسُنة الكونية .

خالص الشكر والإمتنان لمن تابعنا وابدا ملاحظته ومداخلته في الملتلقى او في صفحة تواصلنا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق