الثلاثاء، 15 سبتمبر 2020

(مجالس العزاء الحُسيني.. بدعة ام سنّة؟)

 مقال نشرته مجلة (نصوص معاصرة) الفصلية في عددها الثامن ..يتمحور حول اثبات شرعية العزاء الحسيني..إذ قسم الكاتب البحث الى محاورمُتعددة :(مدخل,وانطباق العزاء الحسيني على مفهوم الشعائرالإلهية,ومعارضوا العزاء الحسيني الأدلة والمنطلقات) .سنتناول البحث بإختصار.

المحور الأول/ المدخل: تناول الكاتب فيه.. ان اقامة العزاء والبكاء على الإمام الحسين (ع)قضية  جوهرية نابعة من صميم الإسلام ..وان ادلتها لم تقتصر على مذهبِ خاص.بل يمكن الإستدلال عليها بجُملة من الفتاوى والنصوص المأثورة عن مختلف المذاهب الإسلامية.

المحور الثاني/ العزاء الحسيني وانطباق مفهوم الشعائرالإلهية: اثبت الكاتب في هذا المحور أن مصداق الشعائر الحسينية ومنها (مجالس العزاء ) داخلة تحت مفهوم (الشعيرة القرانية )مُستدل عليها بآيات من الذكر الحكيم منها قوله تعالى: (ومن يعظم شعائر الله فأنها من تقوى القلوب)الحج 32. وقوله عز اسمه :(قل لا اسألكم عليه اجرا إلا المودة في القربى)الشورى 23.فقد اقترن اجر الرسالة بمودة ذوي قربى الرسول(ص) والمودة مُتجلية في البكاء على مصائبهم والإبتهاج بأفراحهم.

وعالج الكاتب في هذا المحور -بعد اثبات صدق مفهوم (الشعيرة القرانية) على مجالس العزاء والبكاء على سيد الشهداء (ع)- ما يُدعى من وجود ادلة يُستظهر منها ذم البُكاء وكونه منهي عنه في الشريعة.منها: مارواه البُخاري في صحيحهعلى أن بكاء أهل الميّت سببٌ في عذابه (إن الميت ليُعذب ببكاء أهله من أحاديث تدلّل عليه) ج2 ,ص80.وفي مقام رد هذه الشبهة ذكر الكاتب مجموعة ادلة منها:

1/رأي لأحد علماء الشافعية وهو (النووي) معلقاً على هذه الأحاديث: (هذه الروايات كلها من رواية عمر بن الخطاب وابنه عبدالله,وأنكرت عائشة عليهما ونسبتهما إلى النسيان والإشتباه,واحتجت بقوله تعالى:ولا تزر وازرة وز اُخرى ).

2/ما ذكره الحاكم النيسابوري من روايات تُشير لبكاء الرسول الأكرم(ص) على قبر امه آمنة. المُستدرك على الصحيحين ج1وص377.

3/السيرة القطعة للرسول الأكرم (ص) وما تناقلته كتب التاريخ والسيروأنها مليئة بأفعال النبي وقوله وتقريره على صحة البكاء في عزاء المؤمنين..واقرار النبي حجة على صحة وجواز الفعل.

المحور الثالث/ في هذا المحوروالذي عنونه الباحث بعنوان:(معارضوا العزاء الحسيني الأدلة والمنطلقات).تناول فيه مخالفوا مسالة البكاء على سيد الشهداء (ع) ..وعالج ما اُدعي من كونها ادلة علمية من عدم صح البكاء .على شاكلة واحدة ..بل تعددت مشاربهم إلى مجموعات ثلاث وهي:

المجموعة الأولى:الإتجاه السلفي (نظرية المُخالفة الشرعية):يعتبر المذهب الوهابي وأتباع أبن تيمة مسألة البكاء على الحسين (ع) أو غيره من الموتى والشهداء أمر مُخالف للشرع والدين وأنه بدعة وخروج عن السنة النبوية وسيرة السلف؟!.

رد هذه الشبهة لا يحتاج الى مؤنة كبيرة ؛فبمجرد تسليط الضوء على ما ادعوه من ادلة وبيان كونها ضعيفة السند تنحل هذه الإشكالية..ونرجع الى الأصل الأولي وهو اباحة الفعل والسلوك..بل هنالك ادلة شرعية من روايات تدعو الى البكاء وكذلك سيرة الرسول الأكرم (ص) تجيز ذلك.

المجوعة الثانية:الإتجاه السياسي السلطوي(نظرية الرفض السياسي).مدعوا هذه النظرية من عدم اقامة العزاء على سيد الشهداء (ع)لم يكن الدافع استدلال شرعي او نص قرآني؛بل المُبرر من المنع.. ما يترتب من عواقب تسبب في عدم الحفاظ على وحدة الكيان الإسلامي؛إذ يستلزم الطعن ولعن بعض الصحابة.ا يقول ابن حجر في الصواعق المُحرقة نقلاَ عن الغزالي:(لا ينبغي للخطيب وغيره رواية مقتل الحسين ,وأيضا رواية مايدور بين الصحابة من سجالات وخصام ؛لأن ذلك يستوجب الطعن بأعلام الإسلام والدين).ص223.

وفي بيان معالجة هذه الشبهة والإشكالية نلخص ما قام به الكاتب:

1-نتفق مع صاحب الشبهة في كبرى (الحفاظ على وحدة المسلمين وعدم بث الفرقة والتناحر) ولكن نختلف في صغرياتها.

2-هذه الشبهة يلزم منها عدم مراجعة تاريخ المسلمين وتقويم الصحيح من غيره.

3-لم نشاهد (الغزالي) وغيره ممن يدون هذه النصائح قد عملوا بها وتغاضوا عنها.فالمطلعون على مباحث علم الكلام وتاريخ الحضارة الإسلامية يلمسون عن كثب شدة تطرف الغزالي واتباعه  في مواقفهم من الشيعة لا سيما الإسماعلية.

المجموعة الثالثة:الإتجاه الصوفي (نظرية المُخالفة العرفانية).هذه المجموعة ترى أن اقامة العزاء على الميت –مهما علا شأنه – انحرافاَ في العقيدة ؛ معللين ان الإنسان حين يموت  وتنفصل روحه عن بدنه ينتقل الى جوار ربه ..وهذا أمر يدعو للبهجة والفرح.ويعد (جلال الدين الرومي ) من جملة القائلين بهذا الرأي من بين علماءالمسلمين.

عالج الباحث هذه النظرية والشبهة كالتالي:

اولاً:وجهة المُشابهة بين ما يذهب اليه المسيحيون من فرحهم على قصة عيسى(ع) واستشاهد الإمام الحسين(ع)؛ ناتج عن خرافة تم الإعتقاد بها كونه (ع) قُتل ليُكفر عن خطاياهم.

ثانياً:تختلف قراءة الإسلام لحادثة معينة على نمطين..(النظرة الفردية للحادثة والنظرة الإجتماعية)؛فمن الناحية (الفرية) ينظر الإسلام لحادثة واقع الطف واستشهاد الإمام الحسين(ع) أنه حقق بموته سعادة الدنيا والآخرة؛فقد تكامل  الحسين (ع) بناوين الشهيد والشهادة. ومن الناحية الأخرى للحادثة يرى الإسلام أن هنالك موقف آخر غير الصعيد الفري والشخصي..الا وهو الصعيد (الإجتماعي)؛ اذ مثلت عاشوراء بالنسبة لمُرتكبيها مشهد الإنحطاط الذي عاشه المجتمع الإسلامي آنذاك.فتكون مدعاة لإحيائها بطرق الحزن والبكاء.مضافا الى ذلك هنالك ادلة شرعية تُثبت أن الرسول (ص)بكى الإمام الحسين (ع) حياً يوم ولاته ..اذ ذكر الرسول الأكرم (ص)واقعة الطف فبكى حتى سالت دموعه .

النتيجة التي يصل اليها الكاتب/ تأسيساً على ما تقدم وبعد نفي النظريات المُطروحة في اشكالية اقامة مجالس العزاء والبكاء على الإمام الحسين (ع). فموقف شيعة اهل البيت ومحبيهم ليس تجسيداً ومنطلقاً من صميم الفكر الديني فحسب ..بل أن معهم رصيداً وافياً من السنة والسيرة النبوية دليلاً على صحة معتقدهم ورجحان عملهم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق