الأحد، 23 فبراير 2020

(اضواء ووجهات نظر)


اولاً:آلية الفرز والتميز بين المفهوم والمصداق..
نتناول تحت هذا العنوان سلسلة لبعض المشاهد الشخصية .. وايضا ما تم كتابته في قنوات التواصل الإجتماعي حول زيارة اربعينية الإمام الحسين (ع) .ونبدأ اولاً في موضوع كيفية التميز بين تحديد المفهوم والمصداق ؛ حيث يقع خلط وإشكالية من عدم التفرقة بينهما مما ينعكس سلبا على الفكرة المطروحة للنقد او البحث.
المدارس الفكرية سواء كانت ذات منشأ سماوي او بشري تشترك في شيء وهو:انه لابد من وجود عملية تقنين ونظام لها..إلا ان هنالك فارق يقع بينهما في طبيعة المُقنن وتاريخ التشريع. وهذا من موارد الإختلاف بين المدرستين (السماوية والبشرية) فالمُقنن في مصادر المعرفة الإسلامية من القران الكريم والتراث الروائي ينبغي ان يكون معصوما..ومقتضى عصمته التمسك باقواله وافعاله -بعد اثبات صحة صدورها -والتي تبعد عنا بفاصلة زمنية بعيدة جدا..وهذا العمق في الزمن يخضع للكثير من المُتغيرات.فما هو الحل في التعامل مع هذه المصادر المعرفية..إذا اردنا ان نحدد سلوك نطبقه في يومياتنا؟.
الجواب: علينا ان نقوم بمرحلتين..
الأولى :تحديد طبيعة المفهوم.
والثانية:تحديد مصاديق هذا المفهوم.
اما المرحلة الأولى.. فلابد من الرجوع للوقت الذي صدر فيه اللفظ؛كون المعصوم في مقام بيان مراده للسائل .واما المصداق لهذا المفهوم فينبغي مُراعات العصر الذي نعيش فيه.وعلى سبيل المثال حين نريد ان نُحدد سلوكياتنا على ما اخبرتنا به مصادرنا المعرفية حول التواضع او البذل ونكران الذات. هنا يكون ضبط المفهوم في عصر صدوره ..وما هو المُراد من نكران الذات والتواضع والبذل.بعدها نرى الصدق العُرفي لهذا المفهوم في الوقت الحاضر..وهذا الصدق العُرفي يختلف بين الأُمم والشعوب ..بل بين المنطقة الواحدة التي تخضع لجغرافيا مُشتركة.

ثانياً: سلوكنا وفعلنا الإرادي..كيف ينشأ ويتولد؟.
سنتناول في هذه النقطة الثانية تحليل لأعمالنا التي نفعلها بمحض إرادتنا..وهي قاعدة تأسيسية للنقطة الثالثة التي ستأتي- إن شاء الله تعالى- للإجابة على استفهام واستنكار مفاده: لماذا يقوم الناس ببذل هذا الكم الهائل من المال لغرض إطعام وتأسيس وبناء المواكب والحسينيات في طريق كربلاء..وعدم تكريسها في موارد نفعية اخرى؟!.
وفي مقام الجواب نقول:
اعمالنا الإرادية وما نقوم به من سلوك وفعل.. سواء كان الفعل الحسن منها او القبيح..تنطلق من مُحركات ودوافع بنقاط مُتسلسلة ومُنظمة.. يتحقق بعد تكاملها إيجاد الفعل الخارجي.
فدراسة اي ظاهرة وإيجاد حل لها او تغير مسارها.. يُفترض البحث في عمق المُحرك الأساسي لها..دون الإكتفاء بالوصف لسطحها الخارجي والظاهر للعيان ؛فالبناء الفوقاني وعدم تفكيك عُمقه معرفيا..قد تكون عملية النقد والتقيم غير مُنتجة ومُثمرة.
والنقاط التي يتسلسل فيها العمل حتى يظهر للعيان والخارج هي :
1) اول السلوك والفعل الخارجي يبدأ بخاطرة او فكرة في نفس الإنسان..ومصدرها إما عن مُشاهدتها بالعين او الفات نظر او بأي طريقة يحصل انطباع الصورة في الذهن .
2)بعد هذه المرحلة الأولى تُلاحظ النفس :هل هنالك فوائد مُترتبة على ما خطر وتوالد في ذهنه..وما مقدارها وسعتها؟.
3)بعد استعراض لِما لهذا الفعل من فوائد في الذهن..تتم عملية تقويمها وترتيبها؛ والسبب حتى يُذعن الإنسان بها..وإلا بمُجرد وجودها في الذهن البشري كما حدث في المرحلة الثانية من غير فرز لمقدار الفوائد وحجمها..غير كافي لتحرك نحوها.
ترتب هذه الفائدة فيما يراه الإنسان بمنظاره هو وبغض الطرف والنظر عن كونه الفعل الذي يُريد إيجاده هل هو (حسن او قبيح)..هنا نتكلم عن الفعل والسلوك المُطلق والأعم من كونه جيد او غير جيد بحسب مُقررات ومعاير الشرع والقانون والعرف.فقد يُرتب فائدة ويرى لها اثر مُنسجم مع مُبتغاه وحالته.. على الرغم من كونها عند غيره قبيحة ولا ينبغي فعلها..ومثاله ومصداقه: ما يفعله السارق والمُرتشي.
4)بعد ان اكتملت في النفس النقطة الثالثة ألا وهي: الإذعان والتصديق النفسي بهذه الفائدة او مجموع ما فيها من مُرغبات مُترتبة على السلوك الذي سيقوم به..يحدث بعدها الرغبة والشعور النفسي بالميل إلى هذا العمل والسلوك الذي خطر في ذهنه.
5)في هذه المرحلة يحصل الجزم والقطع بأن هذا السلوك مِما ينبغي فعله؛حيث يترتب على وجود الفعل في بعض الأحيان موانع..فهنا وبعد اتخاذ الأمر بالفعل ينبغي رفع هذه الموانع التي تمنع من تحققه في الخارج.
6)بعد أن تحقق الجزم بأن هذا الفعل مِما ينبغي فعله وتذليل ورفع الموانع المُتصورة فيه..تأتي المرحلة السادسة والتي ينبغي فيها التحرك والعزم نحو إلإمتثال والإتيان به.
7) هذه المرحلة الأخيرة والتي تأتي بعد حصول قصد الإمتثال والسعي لتحقق السلوك والفعل.. هنا لا بُد من الحركة إلى الغرض الذي يروم الوصول إليه..وهذا التحرك مُتوقف على السعي لتفعيل الوسائل المُتاحة إليه..ألا وهي الجوارح والعضلات والتي يمتثل بها الإنسان لتحقيق اهدافه وغاياته.
هذه هي التراتبية والتسلسل لسلوك الإنسان في افعاله والتي تحصل بمحض إرادته واختياره.

ثالثا:مَن يُحرك الإنسان في سلوكياته وافعاله الإرادية؟.
في هذه النقطة نتناول عرض إستفهام لحالة التركيز والبذل على جانب مُعين..دون غيره.
تناولت بعض صفحات التواصل الإجتماعي جدلية واشكالية مفادها:انه يوجد صرف غير طبيعي من الأموال على بذل الطعام وبناء الحُسينيات والمواكب او محطات الإستراحة في طريق الزائرين إلى كربلاء.فلماذا لا يتم توظيف هذه الأموال وصرفها واستثمارها في مرافق حياتية ومشاريع خيرية اخرى؛ حيث يتم بها تحقق فعل الخير والإستحباب؟!.
والجواب على هذا التساؤل والإستفهام يتم كالتالي: افعال الإنسان التي تصدر منه بمحض ارادته لها مراحل مُتسلسلة ..يحدث في آخرها السلوك والفعل الخارجي (وقدتناولها ضمن نقاط السابقة). ويكون الموجه لهذه السلوكيات والإفعال مجموعة من العوامل منها: ما هو شخصي..ومنها انتماءه الفكري والمدرسي. ويلعب الحُب المُحرك والباعث الأساسي للأفعال الإرادية كافة..فالإنسان بطبيعته محدود..يجهل الكثير من الحالات التي لا يعلم ما تؤدي إليه نتائجها ؛كونه لا يحيط بها اي علم وقطع .ولكن على الرغم من ذلك يقدم عليها بخطوات ثابتة ورصينة؛وكما قلنا فالدافع للحركة والعمل هو حُبه لها.كذلك تعامله مع الأحكام الشرعية الترخيصية والمُستحبة أوالمُباحة فبمقدار حُبه لها يكون البذل والعطاء.(وهنا لست في مقام تناول كيفية ترسيخ هذا العشق في نفس الإنسان).إذ قد تكون هنالك موارد للصرف والإنفاق يتحقق بها الإمتثال للتكليف الشرعي ..ولكن يرى ان ما ينفقه في هذه الزيارة وما يتعلق بها مُرتبط ارتباط كبير بوجدانه وشعوره الذي يُملي عليه سد نفقات من يقصدون لمن يحب ويعشق.
فعملية النقد والإستفهام في هذه المفردة.. ركزت على السلوك الظاهري فقط وهو آخر مراتبها.. ولم تلحظ منشأ الفعل ومحركه ودوافعه.
فدراسة اي ظاهرة وإيجاد حل لها او تغير مسارها..يُفترض البحث في عمق المُحرك الأساسي لها..دون الإكتفاء بالوصف لسطحها الخارجي والظاهر للعيان ؛فالبناء الفوقاني وعدم تفكيك عُمقه معرفيا..قد تكون عملية النقد والتقيم غير مُنتجة ومُثمرة فيه.

رابعا:القوة الناعمة التأثير والتوظيف.
في هذه النقطة سنذكر على نحو الإيجاز والإختصار مفهوم (القوة الناعمة)والتي ستكون تمهيد لتوظيفها في التجمعات البشرية الكبيرة لزيارة الأئمة(عليهما السلام) والتي تشهد زيارة الأربعين اضخمها وأكثرها حضورا شعبيا.
العوامل المُؤثرة التقليدية هي:القوة العسكرية والإقتصادية.ثم دخل عنصر آخر بعد انتشار الإنترنيت وشبكات التواصل الإجتماعي المنتشرة في الفضاء الألكتروني..ألا وهي: (القوة الناعمة).ومما لا شك فيه أن طبيعة الإنسان ميال إلى التأثر والتأثير بالجانب الحسي المُشاهد أمامه كفعل وتجربة..أكثر من تأثره بالجانب العقلي والفكري.
نتناول هنا تعريف مفهوم القوة الناعمة لمنظرها البروفسور (جوزيف ناي)حيث قال:
(انها القدرة على الجذب لا عن طريق الإرغام والقهر والتهديدالعسكري والضغط الإقتصادي، ولا عن طريق دفع الرشاوي وتقديم الأموال لشراء التأييد والمولاة،كما كان يجري في الإستراتيجيات التقليدية الأمريكية، بل عن طريق الجاذبية، وجعل الآخرين يريدون ما تريد) كتاب القوة الناعمة ص٢٠.
هنا نطرح سؤال مفاده:هل التأثير في القوة الناعمة وتصنيفها التراتبي بين الشعوب والدول يقتصر على التكنلوجيا والإختراعات العلمية؟.
ننقل الإجابة على هذا السؤال والإستفهام من كتاب (الحرب الناعمة الأسس النظرية والتطبيقية) حيث قال الكاتب:
(...واليوم هنالك مؤشرات وتصنيفات لدرجات القوة الناعمة للدول والحكومات،فوفق تصنيف أجرته مجلة "مونوكل"الدولية حلت ألمانيا في مرتبة أكبر قوة ناعمة...ويشمل التصنيف السنوي للقوة الناعمة الذي تجريه مجلة مونوكل ٣٠بلدا تنال أكبر قدرا من إعجاب الدول والشعوب الأخرى، من خلال الثقافة والرياضة والمطبخ الوطني والتصاميم والدبلوماسية والإبتكارات التقنية...).ص٣٦-٣٧.
إذن لا يُختصر التأثير على الجانب التقني والعلمي فقط..بل من جملة عوامل التأثير الأكلات الشعبية أو الوطنية.فكيف لو كانت هنالك تظاهرة مليونية تسير لآلاف الكيلومترات يسودها السلم الأهلي والأمان.. وروح التعايش الإنساني بكافة مكوناتها.. وبأبهى صوره من بذل الطعام ونكران الذات والتواضع؟!.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق